الأحد، 10 مايو 2009

المواطنة الصالحة
لا يكفي لنيل الاستقلال ان تكون لدينا حكومة وطنية وسيادة كاملة على أرضنا من غير (مواطن صالح) يعين حكومته على انجاز مهامها وتنفيذ مشاريعها وتحقيق برنامجها السياسي، أو يحافظ على سيادة وطنه من أن تنتقص داخلياً مثلما يخشى عليها من الانتقاص خارجياً.
الوطنية ليست مجرد الانتساب إلى الوطن، ولا هي الانـحدار من أصول عراقية، ولا هي الاقامة الطويلة على أرض العراق، هذا انتماء ولا يعبر عن الوطنية قدر تعبيره عن (أمومة) و(نبوّة) عن عاطفة.. عن علاقة (ألفة) والحيوان يألف أيضاً مسكنه، وطنٌ كهذا لا يعدو أن يكون في نظر العراقي كما كانت مصر في نظر (خليل مطران):
مصرُ السماءُ الصحوُ مصر الدفءُ مصرُ المشبعُ
ولا هي التعلّق بالشناشيل أو بالنخيل أو بمياه دجلة والفرات أو بذكريات الماضي الجميل (ملاحظة: لم يكن ثمة ماضي جميل في العراق لكنه بالمقارنة بين زمنين سيء واكثر سوءاً يبدو السيء جميلاً).
الوطنية (روح) و(فكر) و(انتماء) و(ممارسة)، هي حبّ الوطن لكن لا على طريقة:
بلادي وإن جارت عليّ عزيزةٌ وقومي وإن شحّوا عليّ كرامُ
فالبلاد الجائرة ليست بلادي حتى وإن احتضنت رفات اجدادي، وقومي البخلاء لن يحيل حبي لهم بخلهم إلى كرم، فالبخل بخل وأسوأه الذي من القريب..
هي (حبّ) وتعبير صادق وعملي عن هذا الحب، لا أن أحبّ بلادي على علاّتها من منطلق العصبية القبلية التي ترى المساوئ محاسن، انه حبّ مختلف حب من نوع آخر، حبّ الغيرة على وطن يُستباح ـ داخلياً وخارجياً ـ وحب العمل على اشعال الشمعة في ظلامه بدلاً من لعن الذين يزرعون الظلام في زواياه.
الوطنية ليست حبّ تراب الوطن والدفاع عنه فقط، بل حبّ المواطن الذي يمشي على هذا التراب وهو أقدس من التراب، لأنه هو الذي يهب التراب الحياة ويحيله إلى أشكال متعددة من الحياة.
و(المواطنة) غير (المواطنة الصالحة)..
الأولى جنسيّة عراقية، الثانية انتماء حضاري، والعمل ـ كل من موقعه وقدرته ـ على إضافة شجرة تفاح الى جنب الشجرة التي ورثها عن أبيه، على حدّ تعبير (جبران خليل جبران) واذا لم تكن ثمة شجرة تفاح ففي الأول أن لا يترك الأرض بوراً تكشر الاملاح فيها عن أنيابها.
المواطنة الصالحة.. خدمة الصالح العام، لا الاقتصار على خدمة الذات والفئة أو الطائفة أو العشيرة، هي (إخلاص) إن لم تكن (النزاهة) متاحة كما يقول الواقع السياسي العراقي اليوم.
المواطنة الصالحة، مناهج دراسية جديدة تغذّي العقول على ما هو الصالح، وبيوت تثقف على الصلاح، ومنابر تشيع الصلاح، ومسؤولون صالحون يكونون قدوة لمواطنيهم، وأرضية شعبية تستقبل بذور الصلاح.
يقولون ـ بشيء من الظلم والتعسف ـ إن العراقي يرفض أن يكون مواطناً صالحاً لأسباب تأريخية واجتماعية وسياسية، وإن (الصلاح) شجرة لا تنمو في التربة العراقية.
سيكون لنا وقفات لا أقول دفاعية حتى لا أناقض نفسي فأرى أخطاء أهلي أو خطاياهم مزايا ومناقب، بل استشرافية كمساهمة ولو بالنزر اليسير في (التفكير) إن لم تطل اليد القدرة على (التخطيط) أو (التنفيذ) ولكن اليس التخطيط هو الجنين في احشاء التفكير؟!

جميل أن نلمس اعتزاز واستشعار أبناء الوطن لما تنعم به بلادنا من خيرات ونعم في مقدمتها الأمن والاستقرار الذي حرم منه الكثيرون في ظل ما يمر به العالم من حولنا من حوادث ومتغيرات متلاحقة وتقديرهم لما تبذله الدولة من جهود كبيرة للحفاظ على مقدرات ومكتسبات الوطن، ولا شك أن المواطن والمقيم يدرك نعمة الأمن التي لا ينكرها إلا جاحد أو حاسد، ونرى الكل يتسابق للكتابة ونظم القصائد في التغني والافتخار بحب الوطن بمشاعر وطنية رائعة، فمن ذا الذي لا يعشق ويفخر بوطن كالمملكة العربية السعودية؛ فلا تكاد تمر احتفالية أو مناسبة عامة أو خاصة ولا حتى مجلس من مجالسنا إلا ونذكر ما أنعم الله به علينا في هذه البلاد المباركة من نعم جليلة وفي مقدمتها نعمة الأمن والأمان والاستقرار والرفاهية والوحدة الوطنية، لا سيما في زمن تلاحقت وكثرت به المخاطر واختلاط الرؤى والفوضى الفكرية والأخلاقية والفتن والأزمات بأشكالها وصورها المختلفة، وأصبحنا نرى العديد من المجتمعات تئن تحت وطأة الحروب، يتوج ذلك علاقة متينة بين الشعب وقيادته، بفضل الله ثم حكمة القيادة الرشيدة التي تمخر بهذه السفينة عباب بحر متلاطم لتصل بها إلى شاطئ الأمان، ولا شك أن هذه المشاعر تبعث على الاطمئنان وبمثابة مؤشر جيد على سلامة إدراك المجتمع لحجم وقيمة ما يعيشه من نعم ظاهرة وباطنة وضرورة الحفاظ عليها.ولكن إلى أي مدى نستطيع أن نعتبر أن الإشادة وإبراز مشاعر الفخر والاعتزاز هي بمثابة ترجمة حقيقية وكاملة لمفهوم المواطنة وتطبيقاتها، وهل أن التغني بها يعد كافياً للحفاظ على هذه النعم دون النظر لحجم المشاركة الفعلية للمواطن من خلال ما يقدمه لدينه ووطنه وقيادته والمشاركة الفاعلة في مسيرة التنمية والإخلاص والتفاني في العمل والتصدي لكل ما يضر بمجتمعنا وقيمنا ومقدرات بلادنا أو يهدد أمن واستقرار الوطن؟تساؤلات عديدة تبرز في هذا الجانب لتؤكد أن كل من يعتقد بكفاية هذه المشاعر وأنها مؤدية لشكر نعم الله علينا وكفيلة بالحفاظ عليها واستمرارها دون عمل حقيقي يترجم ذلك أنه بحاجة ماسة لتصحيح مفاهيمه وإعادة حساباته كما أنه بحاجة حقيقية لوقفة صادقة مع نفسه لإعادتها إلى الصواب، على أنني لا أقلل من أهمية ومشروعية إظهار مشاعر الشكر والحمد لنعم الله بل وأؤيد إظهارها لما لها من أثر في تكريس ودعم هذه الجوانب الإيجابية والمضيئة في قلوب ووجدان أفراد المجتمع، قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} الآية.لا يخفى أن المواطنة هي مجموعة قيم متكاملة لا تنفصم عراها لتحقيق حياة كريمة آمنة ومزدهرة للمواطن، وهي أمانة وقضية ذات أبعاد سامية المعاني، عميقة الدلالات، ووسام فخر على صدر كل منتم إلى الوطن، وحري بمن تقلد هذا الوسام أداء حقه، وإن من مدلولات ذلك على سبيل المثال أن يساهم المواطن في الحفاظ على نظافة الشارع والمتنزه والحفاظ على وقت العمل واحترام أنظمة السير وكذلك الحفاظ على مكتسبات ومقدرات الوطن وتفويت الفرصة على كل متربص من تحقيق مآربه وذلك من خلال العديد من الآليات والصور من أجل المساهمة في تحقيق الأمن والذي هو أساس الحياة، ولا غرو، فلا تقدم ولا تطور ولا تنمية ولا حياة أصلاً إلا تحت مظلة الأمن والاستقرار السياسي والتناغم البناء بين الشعب وقيادته، وهذا أمر واضح ولا يختلف عليه اثنان، ولكن الأمر الذي يدعو للتساؤل ولا أجد له جواباً مقنعاً، هل ما يحدث من بعض المواطنين من تفريط في هذا الجانب المهم أمر مقصود أم ناتج عن جهل وتجاهل؟منذ أيام قليلة مضت تابعنا عبر الصحف المحلية أخبار ونتائج الحملات التي نفذتها الجهات الأمنية في سياق نشاطها المستمر لملاحقة المخالفين وتطهير مختلف مدن ومحافظات مناطق المملكة من بؤر الشر والفساد بكافة صوره والتي أثمرت عن نتائج طيبة حيث تم ضبط جرائم ومخالفات عديدة ومتنوعة والقبض على مرتكبيها وكذلك القبض على أعداد كبيرة من مخالفي نظام الإقامة ومجهولي الهوية، والأجهزة الأمنية في بلادنا تبذل كل ما يمكن في سبيل القضاء على الظواهر السلبية في ظل التوجيهات السديدة لرجل الأمن الأول صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية يسانده سمو نائبه وسمو مساعده للشؤون الأمنية وبمتابعة من أصحاب السمو أمراء المناطق، وبالرغم مما حققته هذه الحملات من نتائج إيجابية إلا أنها أظهرت جانبا لا يقل أهمية عن ما حققته من نتائج ميدانية، حيث نستطيع أن نقرأ بوضوح الدور المتواضع أو شبه الغائب - إن صح التعبير - لبعض (المواطنين) والذين أدى تجاهلهم أو تغاضيهم وعدم تعاونهم ولو حتى بدرجة يسيرة مع رجال الأمن من خلال الإبلاغ عن هذه الفئة لانتشار وتفشي العديد من السلبيات وبالتالي المساهمة في الإضرار بالفرد والمجتمع، وربما قام البعض بتوفير الوسائل والأدوات التي يستخدمها هذا المخالف (عمل، مسكن، وسيلة نقل واتصال.. إلخ) في ممارسة أعماله والتي لولاها لما تمكن من ممارسة الكثير من المخالفات والتجاوزات.إن القول إن لم يصاحبه فعل فليس له قيمة، وإن التغني بالمواطنة والوطنية وما شابهها من معان سامية من حب العمل وإتقانه ومحاربة الغش والتدليس دون الممارسة والتطبيق العملي لمفهومها والقيام بواجبها ليس له أدنى قيمة، ولا يخفى على أي منا أن المواطنة الحقيقية هي عملية تكاملية تتطلب تضافر الجهود والتعاون البناء فيما بين المواطن والمسؤول ورجل الأمن، ولقد سعت حكومتنا الرشيدة لترسيخ هذا المفهوم من خلال العديد من التطبيقات والوسائل التي تضمن فاعلية الاتصال والتواصل بين المحاكم والمسؤول والمواطن، وبالرغم من تنامي الوعي بهذا الأمر خلال الفترة الماضية إلا أن الواقع يؤكد ضعف دور ومساهمة العديد من المواطنين في الحفاظ على القيم الإسلامية والابتعاد عن كل ما يضر أو يسيء للوطن والمواطن، وتبرز الحاجة لترسيخ المواطنة الصالحة من خلال تكثيف البرامج التوعوية المدروسة، وبذل الموعظة والنصيحة لتسود الأخلاق الفاضلة. إن من متطلبات المواطنة الصالحة رفع الحس الأمني وتنمية الشعور بالانتماء وغرسها بصورة جيدة وقوية في الناشئة لتصل أيضاً بصورة صحيحة للأجيال القادمة، والتشجيع على التواصل مع الأجهزة الأمنية وغيرها من الجهات الحكومية عند الضرورة وبث روح المبادرة لدى المواطن، والمأمول أن يحظى هذا الجانب بمزيد من اهتمام وإدراك المواطنين لما عرف عن أبناء هذا الوطن من حب لوطنهم واستعداد لبذل كل غال ونفيس في سبيل حماية أمنه وسلامته من أيدي العابثين ليبقى كما هو بلد الأمن والأمان والخير دائماً وأبداً بإذن الله.
مع تحياتى
محبكم/ لؤى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق